الصراع الإسرائيلي الإيراني- القانون الدولي، المنشآت النووية، ومستقبل السلام

المؤلف: د. محمود الحنفي08.27.2025
الصراع الإسرائيلي الإيراني- القانون الدولي، المنشآت النووية، ومستقبل السلام

في يونيو/ حزيران 2025، لم تكن الاشتباكات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل وإيران مجرد تصعيد معتاد في صراع إقليمي قديم، بل كانت نقلة نوعية في مسار العلاقات العدائية بينهما، الأمر الذي أثار تساؤلات حاسمة بشأن مدى احترام قواعد القانون الدولي العام والإنساني.

إذ لأول مرة منذ عقود، يستهدف طرف في صراع منشآت نووية تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في خطوة غير مسبوقة تواجه المجتمع الدولي باختبار صعب: هل يمكن تبرير استخدام القوة ضد منشآت مدنية ذات طبيعة استراتيجية؟ وهل يسمح القانون الدولي بما يسمى "الضربة الاستباقية" في ظل عدم وجود تهديد وشيك؟

في هذا المقال، سنسلط الضوء من الناحية القانونية على مسار الحرب بين إسرائيل وإيران، بدءًا من القاعدة القانونية العامة الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، مرورًا بتقييم مواقف الطرفين استنادًا إلى مبادئ "الضرورة" و"التناسب"، وصولًا إلى تقييم موقف الأمم المتحدة ووكالة الطاقة الذرية، ومدى التزامهما بحماية النظام الدولي من الانهيار تحت وطأة ازدواجية المعايير.

أولًا: الخلفية والقاعدة القانونية العامة

ينظم ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة بين الدول، وتنص المادة 2 (4) منه بشكل خاص على حظر التهديد باستخدام القوة في العلاقات الدولية. كما تنص المادة 51 على حق الدول في استخدام القوة للدفاع عن النفس فقط في حالة وقوع "هجوم مسلح"، مع الالتزام بمعايير الضرورة والتناسب، وإبلاغ مجلس الأمن فورًا بالإجراءات المتخذة.

بناءً على ذلك، فإن أي عمل عسكري لا يستوفي هذه الشروط ولا يحصل على تفويض صريح من مجلس الأمن يعتبر غير قانوني بموجب القانون الدولي.

يفرق القانون بين نوعين مختلفين من اللجوء إلى القوة:

  1. الدفاع الاستباقي المشروع: وهو ما يسمح بالرد العسكري على تهديد وشيك وفوري لا يمكن تجنبه إلا باستخدام القوة الفورية. يتطلب هذا الوضع أن يكون التهديد مؤكدًا، وأن يكون الرد ضروريًا ولا بديل عنه.
  2. الحرب الوقائية: وهي الحرب التي يتم شنها ضد تهديد محتمل أو مفترض لم يحن وقته بعد. هذه الحرب محظورة دوليًا لأنها تقوم على تخمينات مستقبلية لا ترقى إلى مستوى التهديد الوشيك. وقد رفضت الأمم المتحدة ومعظم العلماء هذا النوع من الحروب، خاصة بعد تبنيه في "عقيدة بوش" عام 2003.

تعتبر قضية كارولين التاريخية مرجعًا في هذا السياق، حيث نصت على أنه لا يجوز استخدام القوة إلا عندما يكون التهديد: وشيكًا وفوريًا، ولا يترك مجالًا لاختيار بديل، ولا يسمح بتأخير الرد.

ثانيًا: تقييم موقف إسرائيل

في فجر يوم 13 يونيو/ حزيران 2025، شنت إسرائيل عملية جوية واسعة النطاق أطلق عليها اسم "الأسد الصاعد"، استهدفت خلالها عشرات المواقع داخل الأراضي الإيرانية، بما في ذلك المنشآت النووية ومنصات الصواريخ، بالإضافة إلى مراكز القيادة والأبحاث العسكرية. أسفرت الضربات عن مقتل عدد من كبار الضباط في الحرس الثوري الإيراني، وكذلك كبار العلماء النوويين.

بررت تل أبيب هذه العملية باعتبارها "هجومًا وقائيًا" يهدف إلى منع تهديد وشيك من إيران، وهو هجوم وشيك بصواريخ باليستية وطائرات مسيرة كانت إيران – حسب الرواية الإسرائيلية – على وشك إطلاقها عبر شبكة من الحلفاء في المنطقة.

ربطت الحكومة الإسرائيلية هذا التهديد بالبرنامج النووي الإيراني، الذي اعتبرته "تهديدًا وجوديًا مباشرًا" لأمن إسرائيل. وزعمت أن طهران قد أحرزت تقدمًا كبيرًا في تخصيب اليورانيوم في الأشهر الأخيرة، وتقترب من إنتاج سلاح نووي، وأنها في الوقت نفسه تستعد لهجوم عسكري متعدد الجبهات قد يشمل لبنان وسوريا وغزة.

من هذا المنطلق، اعتبرت إسرائيل أن ضرباتها تأتي في سياق "ضرورة استراتيجية" لمنع تفاقم التهديد الإيراني قبل أن يتحول إلى حقيقة يصعب احتواؤها في المستقبل.

العيوب القانونية في العمليات العسكرية الإسرائيلية:

معيار التهديد الوشيك:

يعتبر معيار "الوشيك" في القانون الدولي من أكثر المعايير صرامة فيما يتعلق بشرعية استخدام القوة. فالتهديد الذي يبرر الضربة الاستباقية لا يعتبر مشروعًا إلا إذا كان الهجوم وشيكًا بالفعل، ولم يكن أمام الدولة المستهدفة أي خيار واقعي لمنعه إلا باستخدام القوة على الفور.

في الوضع الحالي، شكك العديد من الخبراء والباحثين القانونيين في كفاية الأدلة التي قدمتها إسرائيل لتبرير ضربتها لإيران، إذ لم تثبت أن هجومًا إيرانيًا كان وشيكًا ولا يمكن منعه بالوسائل الدبلوماسية أو باللجوء إلى مجلس الأمن. كما لم تكشف إسرائيل علنًا عن أي معلومات محددة تظهر أن إيران كانت على وشك شن هجوم صاروخي أو باستخدام الطائرات المسيرة.

اكتفت إسرائيل بالحديث عن تطورات مقلقة في البرنامج النووي الإيراني وتصريحات عدائية متكررة، دون إظهار تهديد وشيك ومحدد.

لذلك، يرجح معظم القانونيين أن ما حدث هو ضربة وقائية تهدف إلى تحييد قدرات عدو محتمل في المستقبل، وهو ما يتعارض مع المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تسمح باستخدام القوة فقط في حالة وقوع هجوم مسلح فعلي أو وشيك لا لبس فيه.

شرط التناسب:

يشترط القانون الدولي، في إطار مبدأ الدفاع عن النفس، أن يقتصر أي رد مسلح على الهدف المباشر المتمثل في إزالة التهديد، دون تجاوز ذلك لتحقيق مكاسب عسكرية إضافية أو إضعاف الخصم على المدى الطويل. فشرط التناسب يتطلب أن تكون القوة المستخدمة متناسبة مع حجم التهديد الوشيك، وليس استغلال الفرصة لإحداث تغيير استراتيجي.

في السياق الحالي، تشير المعلومات إلى أن العملية الإسرائيلية لم تقتصر على منع هجوم إيراني وشيك، بل امتدت لتشمل سلسلة واسعة من الأهداف داخل إيران، بما في ذلك المنشآت النووية البارزة مثل مبنى التخصيب فوق الأرض في نطنز، بالإضافة إلى القواعد العسكرية ومقرات القيادة ومراكز البحوث، وحتى العلماء.

إن هذا التوسع في النطاق الجغرافي والنوعي للأهداف يضعف حجة الدفاع عن النفس، ويظهر السعي لإضعاف القدرات الإيرانية على المدى الطويل في المجالات النووية والصاروخية.

وبالتالي، إذا ثبت أن الضربات الإسرائيلية تهدف إلى تحقيق ردع استراتيجي شامل أو إعادة تشكيل ميزان القوى مع إيران، فإن ذلك يشكل خروجًا عن شرط التناسب، ويعتبر استخدامًا مفرطًا وغير قانوني للقوة بموجب قواعد القانون الدولي.

الإخطار والشفافية:

تنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن تقوم الدولة التي تستخدم حق الدفاع عن النفس بإبلاغ مجلس الأمن "فورًا" بالإجراءات المتخذة. هذا الإخطار هو جزء أساسي من شرعية العمل العسكري، لأنه يسمح للمجتمع الدولي بمراقبة مدى احترام القواعد التي تنظم استخدام القوة.

حتى تاريخ هذا التقييم، لم تقدم إسرائيل أي إخطار رسمي إلى مجلس الأمن لتبرير عملياتها العسكرية ضد إيران. هذا الغياب ليس مجرد خطأ إجرائي، بل يمثل فشلًا في الالتزام بشرط أساسي يعكس مدى التزام الدولة بالقانون الدولي. كما أنه يضعف الموقف القانوني الإسرائيلي، ويوحي بأن إسرائيل نفسها قد تكون غير واثقة من قانونية حجة "الدفاع الوقائي" التي تتذرع بها.

علاوة على ذلك، فإن غياب رسالة رسمية يحرم مجلس الأمن من ممارسة دوره الرقابي، ويعطل إمكانية إجراء تقييم أممي لشرعية استخدام القوة. وهو ما يطرح علامات استفهام قانونية إضافية حول دوافع وشرعية الضربات الإسرائيلية.

إطار الصراع المستمر:

في محاولة لتبرير الهجوم، ذهب بعض القانونيين الإسرائيليين إلى اقتراح تفسير بديل يعتبر الضربة العسكرية الأخيرة تصعيدًا في سياق صراع مسلح قائم وممتد بين إسرائيل وإيران، وليس عملًا منفصلًا يتطلب مبررًا قانونيًا مستقلًا في كل مرة.

وفقًا لهذا الرأي، تخوض الدولتان "حربًا منخفضة الحدة" منذ سنوات، تتجلى في مواجهات غير مباشرة وعمليات متبادلة عبر أطراف ثالثة في سوريا وغزة ومناطق أخرى، وبالتالي، فإن عملية يونيو/ حزيران هي مرحلة جديدة في هذا الصراع المستمر.

ومع ذلك، يواجه هذا التبرير انتقادات واسعة من قبل علماء القانون الدولي، لأن فكرة وجود "حالة حرب مزمنة" دون إعلان رسمي أو اعتراف متبادل لا تستند إلى نصوص صريحة في القانون الدولي.

كما أن قبول هذا الطرح لا يعفي الدولة من الالتزام الصارم بقواعد "الضرورة" و"التناسب" عند تنفيذ أي تصعيد جديد، بغض النظر عن سياق الصراع السابق.

علاوة على ذلك، فإن اعتماد هذا المنطق قد يفتح الباب أمام الدول لتنفيذ ضربات متكررة تحت مظلة "الصراعات المستمرة"، مما يهدد بتقويض ميثاق الأمم المتحدة وإفراغ ضوابط استخدام القوة من مضمونها القانوني.

ثالثًا: تقييم موقف إيران

ردت طهران على الضربات الإسرائيلية باعتبارها عملًا عدوانيًا صارخًا يرقى إلى مستوى "الهجوم المسلح" بالمعنى المقصود في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، مما يسمح لها - على حد قولها - بممارسة حقها في الدفاع عن النفس بشكل فردي ومشروع.

خلال جلسة طارئة لمجلس الأمن عقدت في 13 يونيو/ حزيران 2025، بناءً على طلب إيران، وصف مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة الهجمات الإسرائيلية بأنها "إعلان حرب" و"اعتداء مباشر على النظام الدولي"، مؤكدًا أن بلاده سترد بحزم دفاعًا عن سيادتها ووحدة أراضيها.

وبحسب ما أعلنته وزارة الصحة الإيرانية رسميًا، فقد أسفرت الضربات الإسرائيلية حتى 25 يونيو/ حزيران 2025 عن مقتل 627 شخصًا وإصابة 4870 آخرين داخل الأراضي الإيرانية.

العيوب القانونية في العمليات العسكرية الإيرانية:

الضرورة والتناسب:

من حيث المبدأ، يحق لإيران الدفاع عن نفسها بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، بعد تعرضها لهجوم إسرائيلي واسع النطاق دون مبرر قانوني ظاهر. بيد أن هذا الحق ليس مطلقًا، بل يخضع لشرطي الضرورة والتناسب، ويشترط أن يهدف الرد إلى صد العدوان ومنع تكراره، وليس إلى العقاب أو الانتقام.

أطلقت إيران صواريخ وطائرات مسيرة أصابت مناطق في تل أبيب وحيفا، مما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين، بالإضافة إلى أضرار مادية. على الرغم من انتشار أنباء عن وقوع خسائر مدنية، فمن الصعب تحديد طبيعة المواقع المستهدفة من الناحية القانونية، بسبب امتناع إسرائيل عن نشر معلومات حول ما إذا كانت تلك المناطق تضم منشآت عسكرية.

إذا تبين لاحقًا أن الأهداف كانت عسكرية داخل المناطق الحضرية، تتحمل إسرائيل جزءًا من المسؤولية لاستخدامها الغطاء المدني. أما إذا ثبت أنها أهداف مدنية بحتة، فقد يعتبر الرد الإيراني انتهاكًا لمبدأ التمييز وعملًا انتقاميًا غير قانوني.

نظرًا لعدم وجود وضوح، كان بإمكان إيران تعزيز موقفها القانوني من خلال إثبات أن الضربات اقتصرت على مواقع عسكرية محددة، مثل القواعد الجوية أو منصات الإطلاق، وهو ما كان سيؤكد شرعية دفاعها ويجنبها اتهام تجاوز حدود القانون الدولي.

حظر الأعمال الانتقامية (في ضوء الدفاع عن النفس)

يمنح القانون الدولي إيران الحق في الدفاع عن النفس ردًا على الهجوم الإسرائيلي، بشرط أن يكون الرد ضروريًا ومتناسبًا. يمكن لإيران أن تبرر هجماتها باعتبارها جزءًا من رد دفاعي مستمر في ظل استمرار التهديد، وليس عملًا انتقاميًا محظورًا.

كما يمكنها الادعاء بأن الأهداف كانت مواقع عسكرية داخل المناطق المدنية، وهو ما تتحمل إسرائيل مسؤوليته إذا ثبت أنها استخدمت الغطاء المدني.

وبناءً على ذلك، فإن شرعية الرد الإيراني تتوقف على إثبات وجود صلة مباشرة بالأعمال العدائية، وعدم وجود نية للعقاب أو الردع العشوائي، مع الالتزام بمبادئ القانون الدولي الإنساني.

رابعًا: الإطار القانوني لوقف الحرب بين إسرائيل وإيران

لم يكن وقف العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران نتيجة لمعاهدة سلام شاملة أو اتفاق ملزم، بل جاء في إطار تفاهم مؤقت لوقف إطلاق النار تم التوصل إليه بوساطة غير معلنة، على ما يبدو بين عدة أطراف إقليمية ودولية، بما في ذلك سلطنة عمان وسويسرا وقطر، وبالتنسيق غير المباشر مع الأمم المتحدة.

من الناحية القانونية، لا يعتبر هذا الاتفاق وقفًا رسميًا للحرب بموجب القانون الدولي، لأنه لم يتم توثيقه باتفاق مكتوب يودع لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، ولم يصدر بشأنه قرار ملزم من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع. وبالتالي، فإن هذا التفاهم أقرب إلى "هدنة غير رسمية" أو "وقف إطلاق نار ميداني" هش، ولا يتمتع بضمانات قانونية كافية.

على الرغم من انعقاد جلستين طارئتين لمجلس الأمن، لم يتم إصدار أي قرار يفرض وقف الأعمال العدائية، بسبب الانقسام بين الدول الدائمة العضوية. كما لم تفعل الأمم المتحدة أي آلية رقابية ميدانية لتثبيت الهدنة، مما يجعل وقف العمليات معتمدًا على حسابات الردع المتبادل، وليس على التزام قانوني مضمون.

وبناءً على ذلك، فإن غياب إطار قانوني متين وواضح لوقف القتال يثير مخاوف جدية بشأن إمكانية تجدد الصراع في أي لحظة، ويسلط الضوء على الحاجة إلى اتفاق مكتوب برعاية الأمم المتحدة يتضمن ضمانات حقيقية لحماية المدنيين، ويحدد مسؤوليات الطرفين، ويمهد الطريق لتسوية قانونية شاملة للصراع.

خامسًا: المنشآت النووية الخاضعة للرقابة الدولية

تعتبر المنشآت النووية المدنية، مثل تلك الموجودة في نطنز وأصفهان، خاضعة لاتفاق الضمانات الشاملة الموقع بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT). وبما أنها مدرجة في برنامج التفتيش الدولي المنتظم، فإن هذه المنشآت تتمتع بحماية قانونية مضاعفة، ولا تفقد هذه الحماية بسبب طبيعتها الاستراتيجية، كما قد يروج في بعض الخطابات السياسية.

وبناءً على أحكام القانون الدولي الإنساني، فإن المنشآت التي تحتوي على "قوى خطيرة"، مثل الوقود النووي أو المفاعلات، تخضع لحماية خاصة بموجب المادة 56 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف (1977)، التي تحظر استهدافها لما قد يترتب على ذلك من عواقب إنسانية وبيئية كارثية.

كما تفرض معاهدة الحماية المادية للمواد النووية (CPPNM) المعدلة في عام 2005 التزامات واضحة على الدول لمنع الهجمات على هذه المنشآت، حتى في أوقات النزاع.

في هذا السياق، كان موقف المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، في بيان أصدره في 20 يونيو/ حزيران 2025، باهتًا ومثيرًا للجدل. فقد أقر بأن الضربات الإسرائيلية تسببت في أضرار داخلية في المنشآت النووية الحساسة، مثل نطنز وأصفهان، لكنه امتنع عن توجيه إدانة صريحة للهجمات، واكتفى بالتحذير من المخاطر البيئية والدعوة إلى احترام اتفاقيات الضمانات، دون تحميل أي طرف المسؤولية. اعتبرت طهران هذا الموقف تواطؤًا ضمنيًا أو تراجعًا عن الحياد المؤسسي الذي يفترض أن تلتزم به الوكالة في مثل هذه الظروف.

من هنا، فإن قصف إسرائيل لمواقع نووية تخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية دون تفويض دولي أو إثبات وجود تهديد وشيك يشكل انتهاكًا مركبًا للقانون الدولي الإنساني ومبادئ منع انتشار الأسلحة النووية وميثاق الأمم المتحدة نفسه.

كما أن إدراج هذه المنشآت في برنامج الزيارات والتفتيش الدولي يعزز قرينة استخدامها السلمي، ويضعف قانونيًا أي ادعاءات تقدم لتبرير استهدافها تحت عنوان "الضرورة العسكرية" أو "الدفاع الوقائي".

ردًا على ذلك، أعلنت إيران تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، معتبرة أن صمت الوكالة على الهجمات يقوض دورها الرقابي ويعطي الضوء الأخضر لاستهداف المنشآت النووية في أي صراع مستقبلي. على الرغم من أن هذا القرار يعتبر موقفًا احتجاجيًا مشروعًا من الناحية السياسية، إلا أنه ينطوي على مخاطر قانونية ودبلوماسية كبيرة.

من الناحية القانونية، قد يمنح هذا الانسحاب خصوم إيران ذريعة جديدة للتشكيك في نواياها النووية، ويضعف قدرتها على إثبات الطبيعة السلمية لأنشطتها أمام المجتمع الدولي. أما من الناحية الدبلوماسية، فإنه يربك علاقاتها مع الأطراف التي كانت تعول على التزامها بالشفافية مثل الصين والاتحاد الأوروبي. كما أن وقف التعاون يفقد منشآتها بعض الحصانة القانونية التي توفرها آليات التفتيش، ويجعلها عرضة لمزيد من التهديدات بذريعة الغموض أو الاشتباه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة